على رغم أن السلام ليس وشيكاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هناك ثغرة لإنهاء 5 سنوات من حالة الحرب بينهما، باعتبار أن كلا الطرفين يريدان إنهاء الحرب وخلق فترة من الهدوء واستعادة الحياة الطبيعية لكلا الشعبين· غير أن تلك الرغبات ليست كافية لإعادة تأسيس ثقة كل من الطرفين في نوايا الطرف الآخر، أو لسد الفجوات في الرأي حول كيفية التعامل مع مسألة القدس والحدود واللاجئين· لكنها رغبات قد تكفي لتوليد وقف لإطلاق النار أكثر دواماً وكذلك لاستئناف عملية السلام·
وفي سياق مناقشاتي المكثفة مع كبار المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية في القدس ورام الله، أدهشني إدراكهم المشترك لاحتمال وجود لحظة مناسبة جديدة الآن، حيث يتفقون حول وجوب كون وقف إطلاق النار شاملاً، ويعني ذلك على الجانب الفلسطيني عدم اعتبار أي إسرائيليين أهدافاً مقبولة· وقد غاب هنا التفريق بين عدم مهاجمة الاسرائيليين وراء الخط الأخضر ودعم العنف ضد من يعيشون في الضفة الغربية وغزة· وقد أدرك أولئك المسؤولون الفلسطينيون أن استمرار تعرض الإسرائيليين للهجمات، يعني مضي الجيش الإسرائيلي في الاعتقالات وتنفيذ عمليات قتل المستهدفين من قادة حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى· ولذا لا بد من وقف جميع الهجمات·
أما الإسرائيليون فلديهم استعداد لوقف جميع عملياتهم في الأراضي الفلسطينية بما فيها عمليات قتل المستهدفين· وعلى نحو مشابه، إذا شعر الإسرائيليون بوجوب تفكيك البنية التحتية للإرهاب، فإن بوسعهم قبول منهج فلسطيني محكوم بشروط فلسطينية وبمنطق الفلسطينيين ومصلحتهم· ويعني ذلك أنه إذا بدأت السلطة الفلسطينية بإغلاق أنفاق تهريب السلاح والمتفجرات وإغلاق مختبرات وورشات صنع القنابل والصواريخ وجمع الأسلحة غير المشروعة، ليكون ذلك كله باسم تأسيس حكم القانون أو إنهاء ما وصفه أحمد قريع بـالفوضى، فإن ذلك سيكون مقبولاً لدى الإسرائيليين·
ومن المؤكد أن حكومة قريع ستربط تنفيذ ذلك بقيام الإسرائيلين بعدد من الخطوات وهي: رفع الحصار وإزالة نقاط التفتيش؛ ووقف ما يسميه الفلسطينيون بـالجدار وما يسميه الإسرائيليون بـالسياج، وتعليق النشاط الاستيطاني· وفي حين تؤمن السلطة الفلسطينية وكبار الإصلاحيين فيها بأن مصالحها تملي عليها التزام الهدوء وإنهاء الفوضى، فإنها تؤمن أيضاً بأن قدرتها على التصرف بهذه الطريقة مرهونة بقيام الاسرائيليين بخلق جو يعزز قبضتهم ويبين للفلسطينيين أنهم قادرون على الوفاء بوعودهم وعلى تحقيق النجاح في تغيير السلوك الاسرائيلي· الآن يوجد أساس للتفاوض بهدف تحقيق حل وسط بين تطلعات الطرفين، على الأقل فيما يتعلق بمسائل المستقبل القريب· لكن ذلك لا يعني أن الأمر سيكون سهلاً أو مكللاً بالنجاح· ولن يجد شارون أن من السهل إلغاء كافة نقاط التفتيش- بل إنه على الأرجح سيربط أفعاله بإيقاع العملية على الجانب الفلسطيني، وسيواجه مقاومة سياسية حقيقية داخل حكومته إذا ما قام بتعليق النشاط الاستيطاني أو عملية بناء السياج·
وعلى رغم ذلك فإن لشارون مصلحة في رؤية ما إذا كان قادراً على صياغة اتفاق مع قريع، وذلك بالنظر إلى الضغوط التي تطالبه بإظهار وجود منهج لديه لإنهاء العنف واستعادة الحياة الطبيعية، لا سيما عندما يتعرض لانتقادات أربعة من رؤساء سابقين لـشين بيت، ويخضع للمساءلة أمام كبار ضباط الجيش ويواجه خيارات بديلة مثل اتفاق جنيف الذي قد لا يؤيده الكثيرون في إسرائيل لكنهم على الأقل يرون فيه طريقاً ممكناً·
أما قريع فإنه شريك مصلحة في التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تحولات في الوضع الراهن· فمن دون الاتفاق لن تكون فترة توليه منصب رئيس الوزراء أكثر نجاحاً من فترة سلفه وقد لا تكون أيضاً أطول عمراً· غير أن مهمته ستكون هائلة وضخمة باعتبار أن إذعان حماس والجهاد أمر غير مرجح، بل إنهما على الأرجح لن تمنحا قريع وقتاً كافياً لتحقيق النجاح في المفاوضات التي ستؤثر في مستقبل المنظمتين· ثم إن قريع لا يتحكم بالجهاز الأمني في الحكومة الجديدة، إذ أن السيطرة ما زالت هنا لياسر عرفات·
إن الشكوك تراود معظم الاسرائيليين، لكنهم يؤمنون بأهمية رؤية ما يستطيع قريع تحقيقه· إن الخيارات مروّعة في نظر الطرفين؛ ومهما يقول قريع حول الاتفاق مع عرفات، فإن الأمر الوحيد المهم هو ما إذا كان قادراً على تقديم التزامات أمنية ثم الوفاء بها· في الوقت الراهن، سنرى على الأرجح إجراء مفاوضات إسرائيلية-فلسطينية بانخراط أميركي محدود· وسنرى في الأسابيع القادمة ما إذا كان من الممكن انتهاز الفرصة الراهنة أو أنها ستضيع كغيرها· أما الأمر الوحيد المؤكد فهو أن ضياعها وإخفاق أبوعلاء سيعني عدم مجيء رئيس وزراء فلسطيني ثالث يستطيع الظهور وخلق لحظة أخرى أو ثغرة دبلوماسية في أي وقت قريب·
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وو